كل الأيديولوجيات والحركات الثورية التغييرية التي نشأت في الغرب وأخذت على عاتقها – حسب زعمها – إنصاف المرأة وإعطاءها حقوقها كاملة ومساواتها بالرجل في كل شيء، لم تنجح في رفع أو تخفيف المعاناة عن المرأة وإعادة كرامتها لها، وحمايتها من استغلال الرجل الغربي وامتهانه لها، بل على العكس من ذلك تماما، فتشير الحقائق والبيانات الإحصائية أن المرأة في الغرب وصلت أوضاعها إلى غاية السوء والظلم، وكل ذلك يتم تحت مظلة حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وخروجها من البيت للعمل مثل الرجال في تلك المجتمعات الغربية، وهذه الحقائق والإحصاءات – التي سوف أسوقها فيما يلي – تشير إلى أن الدعوة إلى حرية المرأة كانت تهدف أساسا إلى استغلالها واستخدامها وسيلة لتحقيق أهداف شريرة، كالإفساد في الأرض وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.
والإسلام – منذ أكثر من أربعة عشر قرنا – أعطى المرأة حقوقها وساواها بالرجل مساواة ليست حسابية وإنما مساواة إنسانية ذات أهداف سامية وبوسائل نبيلة، فمساواة المرأة بالرجل في الإسلام لها عمق إنساني واجتماعي أكبر وأعمق من المفهوم الحسابي للمساواة، ولا يوجد في كل المذاهب الأرضية ما يصل إلى الحد الأدنى من تشريف الإسلام للمرأة وإنصافها وصون كرامتها وحمايتها، والمتتبع لأحوال المرأة في الثقافات الأخرى يدرك أنه لا مفر للمرأة من هذا الغبن والضيم إلا باللجوء إلى الإسلام والتزامه منهجا للحياة في كل جوانبها، لذلك يسعى أعداء الإسلام جاهدين لتشويه حقائق الإسلام فيما يتعلق بحقوق المرأة، لصد الناس عن هذا الدين العظيم، ولتحقيق مآرب أعداء الإنسانية الذين يسعون في الأرض فسادا.
أما الأمم المتحدة، فقد بدأت تهتم بحقوق المرأة منذ 1948 عندما أعلنت ميثاق حقوق الإنسان، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية، لتوقيع المعاهدات والاتفاقيات بخصوص حقوق المرأة والحرية الجنسية، وحرية الإجهاض وتنظيم الأسرة وتنمية المجتمع، فكانت مؤتمرات في مصر عام 1950، وفي المكسيك عام 1957، وفي نيروبي عام 1985، وفي مصر مرة أخرى عام 1994، وفي بكين عام 1995 (بكين+5)، وفي بكين مرة أخرى في عام (2005) (بكين+10). وبين كل مؤتمر والتالي له تعقد الأمم المتحدة مؤتمرات بشكل سنوي تقريبا لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات السابقة. ويتم في هذه المؤتمرات إصدار توصيات ومعاهدات واتفاقيات تُلزِم الدول التي وقعت عليها، وتعطي الأمم المتحدة أهمية بالغة لهذه المعاهدات والاتفاقيات إلى درجة تصبح فيها مرجعية عليا لشؤون المرأة في العالم، متجاوزة بذلك الخصوصيات الثقافية والعرقية والدينية للشعوب، وبهذا أصبحت هذه الاتفاقيات والمعاهدات تشريعات عالمية تجعل من المرأة كائن عالمي ذات مواصفات وقياسات عالمية تتجاوز حدود الثقافات والأديان، ويتم فرض هذه التشريعات على الدول والشعوب بالضغط الاقتصادي والسياسي والابتزاز لتحل محل الدين.
وتدعو وثائق بكين إلى فرض فكرة حق الإنسان في تغيير جنسه، ومن ثَمَّ الاعتراف رسميًّا بالشواذ، والمطالبة بإدراج حقوقهم ضمن حقوق الإنسان، ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر، والحصول على أطفال بالتبني أو بتأجير الأرحام، وربما يسعى علماء الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري إلى محاولة تصنيع أطفال في المختبرات لبيعها للنساء في محاولة لتخليصهم من مشقة الحمل وعناء الأمومة التي يعدونها قمة الاضطهاد الموجه ضد المرأة. والأدهى والأمر أن هذه الوثيقة تطالب بـ "حق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء"، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك.
وتقوم الأمم المتحدة بكل ذلك استجابة لمطالب الحركة النسوية Feminism وهي حركة ثورية تغييرية تهدف إلى المساواة بين المرأة والرجل جنسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتسعى للقضاء على التمييز الجنسي ضد المرأة. والحركة النسوية هي مجموعة مدارس فكرية تعتمد في نظرياتها على مزيج من الأفكار الموروثة من الثورة الفرنسية، والأفكار الماركسية التي ظهرت في السبعينيات وتدعو المرأة للخروج من بيتها إلى العمل للقضاء على الطبقية المتمثلة في الملكية الخاصة والرأسمالية، وأفكار متطرفة راديكالية أخرى ظهرت حديثا، تدعو إلى تقطيع أوصال الرجال على اعتبارهم أنهم مستغلين ومضطهدين للمرأة.
وما يلفت الانتباه أن دعاة الحركة النسوية ومنظريها وفلاسفتها هم من الأنجلو سكسونيين الذين تمنحهم بلادهم حرية جنسية مطلقة، ذكورا وإناثا. وتضم الحركة النسوية أيضا ذكورا يناضلون من أجل تحقيق أهداف هذه الحركة. وفي الأعوام الأخيرة تم دخول العنصر الأسود في هذه الحركة تحت ما يسمى حركة "النسويات السوداوات" Black Feminists وهن نساء من أصل أفريقي يعشن في الولايات المتحدة، وتعد أفكارهن النسوية من أشد الأفكار تطرفا وراديكالية إذ إنهن يعادين الذكور ويؤمن بضرورة تكوين ثقافة خاصة بهن إلى درجة الانفصال الكامل عن الذكور، وتتخذ هذه المدرسة المتطرفة قول المفكرة والنسوية الفرنسية سيمون دو بوفوار "لا نُخْلَق نساء، بل نصير نساء" شعارا لها. كما دخل على خط المدرسة الراديكالية نسويات هنديات يمزجن الخرافات الهندوسية بالدعوة إلى نيل المرأة لحقوقها، فبحسب النسوية الهندية فاندانا شيفا، فإن المرأة والطبيعة لهما نفس الحالة من حيث استغلال الرأسمالية لهما، وتطالب حركة فاندانا شيفا بوجود ثقافة سلمية تعادي الرأسمالية وتحترم حقوق الشعوب والطبيعة، وذلك من أجل إلغاء الاستغلال والتمييز ضد نساء العالم.
وتستمد الحركة النسائية قوتها من الحركة الصهيونية العالمية، التي تغذي المدارس الفكرية النسوية بالأيديولوجيات الشيطانية، وتدعمها إعلاميا وسياسيا. وتقوم المنظمات والجمعيات النسائية بدورها بالضغط على مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة لنيل المزيد من الدعم والاعتراف بمطالبها ودعمها في الأمم المتحدة. ومما لاشك فيه أن الدول الغربية تشجع هذه الحركات النسائية وتؤيدها وتدعمها، وذلك من أجل تقويض الثقافة الإسلامية، ليتسنى لهذه الدول تحقيق مآرب استعمارية امبريالية.
وتوجد في كل بلد عربي – تقريبا – حركة نسوية تناضل من أجل حقوق المرأة وحمايتها من التمييز، والمتتبع للنسويات العربيات يدرك أن دوافعهن تختلف عن دوافع أمثالهن في المجتمعات الغربية، فالمرأة العربية التي تعيش في مجتمعات يمكن وصفها بأنها إسلامية تتمتع بحقوق أكثر من غيرها من النساء في العالم، لذلك فإن النسويات العربيات يتمركز اهتمامهن على الحصول على حقوق سياسية واجتماعية ونيل فرصة المشاركة في البرلمانات والحكومات، وكثير منهن ينخرطن في جمعيات تختص بحقوق المرأة للحصول على الأرزاق أو مكانة مرموقة في المجتمع بالمعيار الغربي.
ومما يأسى له القلب أن الأمم المتحدة تدعو حقيقة إلى تفشي ثقافة الإباحية خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وذلك بتأكيد هذه الاتفاقيات التي ترعاها الأمم المتحدة على "حرية المرأة والفتاة بالتمتع الجنسي الآمن في أي سن كانت" وأيضا "حرية المرأة في إقامة علاقات جنسية خارج الحياة الزوجية"، وحيث أن هذه الإباحية موجودة أصلا في الثقافة الغربية وغيرها من الثقافات الإلحادية، فإنه من المؤكد أن هذه الدعوات موجهة للمجتمع المسلم بشكل خاص، ونحن على يقين أن تفشي الإباحية في المجتمعات غير الإسلامية سبب للمرأة أقسى المآسي وأكبر المصائب، وفيما يلي إحصاءات عن الأمراض الاجتماعية التي أدت إليها الإباحية الجنسية، مثل التحرش الجنسي، والاغتصاب، والإجهاض، والطلاق، والمواليد الغير شرعيين، إضافة إلى تفشي الأمراض المنقولة جنسيا مثل الايدز، حيث أن هناك 40 مليون مصاب بالايدز نصفهم من النساء.
وطبقا لإحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن 30 % من ضحايا قتل الإناث في الولايات المتحدة عام 1990، وهي السنة الأخيرة لأية إحصاءات متوفرة حسب ما جاء في http://www.cybergrrl.com/، قد قتلن من قبل أزواجهن أو أخلائهن، وقد بلغ ذلك تقريبا 3000 امرأة. وفي دراسة أجراها د . جيمس باترسون و زميله بيتر كيم عام 1991، تبين أن 52% من الأمريكيين يقولون أنه ليست هناك أسباب تدعو المرء إلى الزواج، وأن 31% من الرجال والنساء المتزوجين يقيمون علاقات جنسية غير شرعية، وأن 78% من الأزواج الأمريكان يعتقدون أنهم يخونون بعضهم، وأن 40% من النساء المتزوجات لهن أكثر من علاقة جنسية ويرتفع في نفس الحالة عند الرجال إلى 68%.
كما تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل ثلاث فتيات في الولايات المتحدة في سن 14 سنة معرضة للاغتصاب، ويعني هذا أن كل أسرة تضم ثلاث بنات أو أكثر تعاني من حالات اغتصاب. كما تقع في الولايات المتحدة نصف مليون عملية اغتصاب سنويا، إضافة إلى أن 61% من البنات في الولايات المتحدة فقدن بكارتهن قبل سن 12 سنة. وبحسب مفكرة الإسلام، تؤكد آخر الإحصاءات عن أحوال المرأة في العالم الغربي أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية على رغم البهرجة المحيطة بحياة المرأة الغربية، التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريتها، والمقصود بذلك هو النجاح الذي حققه الرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه دون عقد زواج يتوج مشاعرها ببناء أسرة فاضلة.
ففي عام 1980 كان هناك أكثر من 1.5 مليون حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة الأمريكية: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك. وفي عام 1982 أصبح 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً مطلقات، وفي عام 1984 كان 8 ملايين امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن دون أية مساعدة خارجية، وفي عام 1986 كان 27% من المواطنين يعيشون على حساب النساء، وفي عام 1982 وصل عدد حالات الاغتصاب إلى 65 حالة لكل 10 آلاف امرأة، وفي عام 1995 حدثت 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً. وفي عام 1997 بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة: اغتصبت امرأة كل 3 ثوان، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!، وفي عام 1997م عانت 6 ملايين امرأة من سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن، وأضافت الإحصاءات إلى أن 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
ومن عام 1980 إلى عام 1990 كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء، وفي عام 1995 بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار، ويشار إلى أن هذا التقرير السنوي المسمى بـ "قاموس المرأة" صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة، ومقره مدريد، وهو معهد عالمي معترف به .
في تقريره السنوي الذي قام بإعداده فريق متخصص برصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ذكر 'معهد المرأة' في أسبانيا – مدريد، مجموعة من الإحصاءات المذهلة التي تخص دولة أسبانيا: في عام 1990م كان 93 % من النساء الأسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن، وفي عام 1990م قدّم 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن سواء كانوا أزواجاً أم أصدقاء، ويقول أحد المحامين: إن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت عام 1997 نحو 54 ألف شكوى، وتقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد، وفي عام 1995 خضع مليون امرأة لأيدي جراحي التجميل، أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها، كما أن هنالك بلاغًا يوميًّا عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه.
وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من المواليد الجدد في السويد هم أبناء زنا، وأن نحو 70 ألف امرأة سنويا، نصفهم تقريباً في آسيا، يَمُتن من حالات الإجهاض الخطرة، هذا بالإضافة إلى رواج "تجارة البشر" في الدول الغربية حيث أن الإحصاءات تشير إلى أن نحو 700 ألف امرأة تنتقل من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية للعمل في الدعارة والسياحة الجنسية، والكيان الصهيوني تحول هو أيضا إلى وكر دولي لتجارة البشر، فهناك شبكة واسعة للدعارة ترتبط بشبكات دولية أخرى وتشرف عليها المافيا، فالسماسرة الذين يقومون بتهريب الروسيات يحصلون على 300 دولار مقابل كل رأس، وحينما تصل الفتيات إلى ميناء ايلات يجري بيعهن بشكل علني فيما يشبه المزادات، وحسب ما تقوله "يديعوت احرونوت" فإن قوانين خاصة أصبحت تحكم هذه التجارة المحرمة، فمن تعمل في المهنة لمدة عام دون إثارة مشاكل مع الزبائن تحصل على إجازة لمدة أسبوع تقضيها في فندق 5 نجوم بتل أبيب، أما من تثير غضب العملاء فإنها تتعرض للعقاب والغرامة وتزيد عدد ساعات عملها إلى 12 ساعة.
لذلك يوجد مبرر للمرأة الغربية لتستمر في المطالبة بحقوقها وحمايتها من استغلال الرجال لها، ولكن للأسف اختارت المرأة الغربية طريقا غير الطريق الصحيح لتحقيق مطالبها، فهي واقعة بين مطرقة الإعلام الصهيوني والأيديولوجيات الصهيونية من جهة وبين سندان استغلالها جسديا وجنسيا من جهة أخرى، والمرأة الغربية لا تستطيع أن ترسم الحد الفاصل بين كرامتها الإنسانية وبين حريتها الجنسية، وكل ما يحصل للمرأة الغربية هو نتيجة إعراضها – عمداً أو جهلاً – عن الإسلام ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى)). ويتحمل المسلمون بتخلفهم عن الدعوة إلى الإسلام وزر ما يصيب الإنسان من مهالك ومآسي، فالله عز وجل بعث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة رحمة بهم ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، فنحن المسلمون نملك ما يحتاج إليه الآخرون من علاج لمشاكلهم المتفاقمة، ولكن علينا أولا أن ننصف المرأة في مجتمعاتنا ونكف عن الاستبداد بها، وعلينا أن نعاملها وفقا لتعاليم الإسلام الحنيف.
والإسلام – منذ أكثر من أربعة عشر قرنا – أعطى المرأة حقوقها وساواها بالرجل مساواة ليست حسابية وإنما مساواة إنسانية ذات أهداف سامية وبوسائل نبيلة، فمساواة المرأة بالرجل في الإسلام لها عمق إنساني واجتماعي أكبر وأعمق من المفهوم الحسابي للمساواة، ولا يوجد في كل المذاهب الأرضية ما يصل إلى الحد الأدنى من تشريف الإسلام للمرأة وإنصافها وصون كرامتها وحمايتها، والمتتبع لأحوال المرأة في الثقافات الأخرى يدرك أنه لا مفر للمرأة من هذا الغبن والضيم إلا باللجوء إلى الإسلام والتزامه منهجا للحياة في كل جوانبها، لذلك يسعى أعداء الإسلام جاهدين لتشويه حقائق الإسلام فيما يتعلق بحقوق المرأة، لصد الناس عن هذا الدين العظيم، ولتحقيق مآرب أعداء الإنسانية الذين يسعون في الأرض فسادا.
أما الأمم المتحدة، فقد بدأت تهتم بحقوق المرأة منذ 1948 عندما أعلنت ميثاق حقوق الإنسان، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية، لتوقيع المعاهدات والاتفاقيات بخصوص حقوق المرأة والحرية الجنسية، وحرية الإجهاض وتنظيم الأسرة وتنمية المجتمع، فكانت مؤتمرات في مصر عام 1950، وفي المكسيك عام 1957، وفي نيروبي عام 1985، وفي مصر مرة أخرى عام 1994، وفي بكين عام 1995 (بكين+5)، وفي بكين مرة أخرى في عام (2005) (بكين+10). وبين كل مؤتمر والتالي له تعقد الأمم المتحدة مؤتمرات بشكل سنوي تقريبا لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات السابقة. ويتم في هذه المؤتمرات إصدار توصيات ومعاهدات واتفاقيات تُلزِم الدول التي وقعت عليها، وتعطي الأمم المتحدة أهمية بالغة لهذه المعاهدات والاتفاقيات إلى درجة تصبح فيها مرجعية عليا لشؤون المرأة في العالم، متجاوزة بذلك الخصوصيات الثقافية والعرقية والدينية للشعوب، وبهذا أصبحت هذه الاتفاقيات والمعاهدات تشريعات عالمية تجعل من المرأة كائن عالمي ذات مواصفات وقياسات عالمية تتجاوز حدود الثقافات والأديان، ويتم فرض هذه التشريعات على الدول والشعوب بالضغط الاقتصادي والسياسي والابتزاز لتحل محل الدين.
وتدعو وثائق بكين إلى فرض فكرة حق الإنسان في تغيير جنسه، ومن ثَمَّ الاعتراف رسميًّا بالشواذ، والمطالبة بإدراج حقوقهم ضمن حقوق الإنسان، ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر، والحصول على أطفال بالتبني أو بتأجير الأرحام، وربما يسعى علماء الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري إلى محاولة تصنيع أطفال في المختبرات لبيعها للنساء في محاولة لتخليصهم من مشقة الحمل وعناء الأمومة التي يعدونها قمة الاضطهاد الموجه ضد المرأة. والأدهى والأمر أن هذه الوثيقة تطالب بـ "حق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء"، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك.
وتقوم الأمم المتحدة بكل ذلك استجابة لمطالب الحركة النسوية Feminism وهي حركة ثورية تغييرية تهدف إلى المساواة بين المرأة والرجل جنسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتسعى للقضاء على التمييز الجنسي ضد المرأة. والحركة النسوية هي مجموعة مدارس فكرية تعتمد في نظرياتها على مزيج من الأفكار الموروثة من الثورة الفرنسية، والأفكار الماركسية التي ظهرت في السبعينيات وتدعو المرأة للخروج من بيتها إلى العمل للقضاء على الطبقية المتمثلة في الملكية الخاصة والرأسمالية، وأفكار متطرفة راديكالية أخرى ظهرت حديثا، تدعو إلى تقطيع أوصال الرجال على اعتبارهم أنهم مستغلين ومضطهدين للمرأة.
وما يلفت الانتباه أن دعاة الحركة النسوية ومنظريها وفلاسفتها هم من الأنجلو سكسونيين الذين تمنحهم بلادهم حرية جنسية مطلقة، ذكورا وإناثا. وتضم الحركة النسوية أيضا ذكورا يناضلون من أجل تحقيق أهداف هذه الحركة. وفي الأعوام الأخيرة تم دخول العنصر الأسود في هذه الحركة تحت ما يسمى حركة "النسويات السوداوات" Black Feminists وهن نساء من أصل أفريقي يعشن في الولايات المتحدة، وتعد أفكارهن النسوية من أشد الأفكار تطرفا وراديكالية إذ إنهن يعادين الذكور ويؤمن بضرورة تكوين ثقافة خاصة بهن إلى درجة الانفصال الكامل عن الذكور، وتتخذ هذه المدرسة المتطرفة قول المفكرة والنسوية الفرنسية سيمون دو بوفوار "لا نُخْلَق نساء، بل نصير نساء" شعارا لها. كما دخل على خط المدرسة الراديكالية نسويات هنديات يمزجن الخرافات الهندوسية بالدعوة إلى نيل المرأة لحقوقها، فبحسب النسوية الهندية فاندانا شيفا، فإن المرأة والطبيعة لهما نفس الحالة من حيث استغلال الرأسمالية لهما، وتطالب حركة فاندانا شيفا بوجود ثقافة سلمية تعادي الرأسمالية وتحترم حقوق الشعوب والطبيعة، وذلك من أجل إلغاء الاستغلال والتمييز ضد نساء العالم.
وتستمد الحركة النسائية قوتها من الحركة الصهيونية العالمية، التي تغذي المدارس الفكرية النسوية بالأيديولوجيات الشيطانية، وتدعمها إعلاميا وسياسيا. وتقوم المنظمات والجمعيات النسائية بدورها بالضغط على مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة لنيل المزيد من الدعم والاعتراف بمطالبها ودعمها في الأمم المتحدة. ومما لاشك فيه أن الدول الغربية تشجع هذه الحركات النسائية وتؤيدها وتدعمها، وذلك من أجل تقويض الثقافة الإسلامية، ليتسنى لهذه الدول تحقيق مآرب استعمارية امبريالية.
وتوجد في كل بلد عربي – تقريبا – حركة نسوية تناضل من أجل حقوق المرأة وحمايتها من التمييز، والمتتبع للنسويات العربيات يدرك أن دوافعهن تختلف عن دوافع أمثالهن في المجتمعات الغربية، فالمرأة العربية التي تعيش في مجتمعات يمكن وصفها بأنها إسلامية تتمتع بحقوق أكثر من غيرها من النساء في العالم، لذلك فإن النسويات العربيات يتمركز اهتمامهن على الحصول على حقوق سياسية واجتماعية ونيل فرصة المشاركة في البرلمانات والحكومات، وكثير منهن ينخرطن في جمعيات تختص بحقوق المرأة للحصول على الأرزاق أو مكانة مرموقة في المجتمع بالمعيار الغربي.
ومما يأسى له القلب أن الأمم المتحدة تدعو حقيقة إلى تفشي ثقافة الإباحية خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وذلك بتأكيد هذه الاتفاقيات التي ترعاها الأمم المتحدة على "حرية المرأة والفتاة بالتمتع الجنسي الآمن في أي سن كانت" وأيضا "حرية المرأة في إقامة علاقات جنسية خارج الحياة الزوجية"، وحيث أن هذه الإباحية موجودة أصلا في الثقافة الغربية وغيرها من الثقافات الإلحادية، فإنه من المؤكد أن هذه الدعوات موجهة للمجتمع المسلم بشكل خاص، ونحن على يقين أن تفشي الإباحية في المجتمعات غير الإسلامية سبب للمرأة أقسى المآسي وأكبر المصائب، وفيما يلي إحصاءات عن الأمراض الاجتماعية التي أدت إليها الإباحية الجنسية، مثل التحرش الجنسي، والاغتصاب، والإجهاض، والطلاق، والمواليد الغير شرعيين، إضافة إلى تفشي الأمراض المنقولة جنسيا مثل الايدز، حيث أن هناك 40 مليون مصاب بالايدز نصفهم من النساء.
وطبقا لإحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن 30 % من ضحايا قتل الإناث في الولايات المتحدة عام 1990، وهي السنة الأخيرة لأية إحصاءات متوفرة حسب ما جاء في http://www.cybergrrl.com/، قد قتلن من قبل أزواجهن أو أخلائهن، وقد بلغ ذلك تقريبا 3000 امرأة. وفي دراسة أجراها د . جيمس باترسون و زميله بيتر كيم عام 1991، تبين أن 52% من الأمريكيين يقولون أنه ليست هناك أسباب تدعو المرء إلى الزواج، وأن 31% من الرجال والنساء المتزوجين يقيمون علاقات جنسية غير شرعية، وأن 78% من الأزواج الأمريكان يعتقدون أنهم يخونون بعضهم، وأن 40% من النساء المتزوجات لهن أكثر من علاقة جنسية ويرتفع في نفس الحالة عند الرجال إلى 68%.
كما تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل ثلاث فتيات في الولايات المتحدة في سن 14 سنة معرضة للاغتصاب، ويعني هذا أن كل أسرة تضم ثلاث بنات أو أكثر تعاني من حالات اغتصاب. كما تقع في الولايات المتحدة نصف مليون عملية اغتصاب سنويا، إضافة إلى أن 61% من البنات في الولايات المتحدة فقدن بكارتهن قبل سن 12 سنة. وبحسب مفكرة الإسلام، تؤكد آخر الإحصاءات عن أحوال المرأة في العالم الغربي أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية على رغم البهرجة المحيطة بحياة المرأة الغربية، التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريتها، والمقصود بذلك هو النجاح الذي حققه الرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه دون عقد زواج يتوج مشاعرها ببناء أسرة فاضلة.
ففي عام 1980 كان هناك أكثر من 1.5 مليون حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة الأمريكية: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك. وفي عام 1982 أصبح 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً مطلقات، وفي عام 1984 كان 8 ملايين امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن دون أية مساعدة خارجية، وفي عام 1986 كان 27% من المواطنين يعيشون على حساب النساء، وفي عام 1982 وصل عدد حالات الاغتصاب إلى 65 حالة لكل 10 آلاف امرأة، وفي عام 1995 حدثت 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً. وفي عام 1997 بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة: اغتصبت امرأة كل 3 ثوان، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!، وفي عام 1997م عانت 6 ملايين امرأة من سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن، وأضافت الإحصاءات إلى أن 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
ومن عام 1980 إلى عام 1990 كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء، وفي عام 1995 بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار، ويشار إلى أن هذا التقرير السنوي المسمى بـ "قاموس المرأة" صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة، ومقره مدريد، وهو معهد عالمي معترف به .
في تقريره السنوي الذي قام بإعداده فريق متخصص برصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ذكر 'معهد المرأة' في أسبانيا – مدريد، مجموعة من الإحصاءات المذهلة التي تخص دولة أسبانيا: في عام 1990م كان 93 % من النساء الأسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن، وفي عام 1990م قدّم 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن سواء كانوا أزواجاً أم أصدقاء، ويقول أحد المحامين: إن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت عام 1997 نحو 54 ألف شكوى، وتقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد، وفي عام 1995 خضع مليون امرأة لأيدي جراحي التجميل، أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها، كما أن هنالك بلاغًا يوميًّا عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه.
وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من المواليد الجدد في السويد هم أبناء زنا، وأن نحو 70 ألف امرأة سنويا، نصفهم تقريباً في آسيا، يَمُتن من حالات الإجهاض الخطرة، هذا بالإضافة إلى رواج "تجارة البشر" في الدول الغربية حيث أن الإحصاءات تشير إلى أن نحو 700 ألف امرأة تنتقل من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية للعمل في الدعارة والسياحة الجنسية، والكيان الصهيوني تحول هو أيضا إلى وكر دولي لتجارة البشر، فهناك شبكة واسعة للدعارة ترتبط بشبكات دولية أخرى وتشرف عليها المافيا، فالسماسرة الذين يقومون بتهريب الروسيات يحصلون على 300 دولار مقابل كل رأس، وحينما تصل الفتيات إلى ميناء ايلات يجري بيعهن بشكل علني فيما يشبه المزادات، وحسب ما تقوله "يديعوت احرونوت" فإن قوانين خاصة أصبحت تحكم هذه التجارة المحرمة، فمن تعمل في المهنة لمدة عام دون إثارة مشاكل مع الزبائن تحصل على إجازة لمدة أسبوع تقضيها في فندق 5 نجوم بتل أبيب، أما من تثير غضب العملاء فإنها تتعرض للعقاب والغرامة وتزيد عدد ساعات عملها إلى 12 ساعة.
لذلك يوجد مبرر للمرأة الغربية لتستمر في المطالبة بحقوقها وحمايتها من استغلال الرجال لها، ولكن للأسف اختارت المرأة الغربية طريقا غير الطريق الصحيح لتحقيق مطالبها، فهي واقعة بين مطرقة الإعلام الصهيوني والأيديولوجيات الصهيونية من جهة وبين سندان استغلالها جسديا وجنسيا من جهة أخرى، والمرأة الغربية لا تستطيع أن ترسم الحد الفاصل بين كرامتها الإنسانية وبين حريتها الجنسية، وكل ما يحصل للمرأة الغربية هو نتيجة إعراضها – عمداً أو جهلاً – عن الإسلام ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى)). ويتحمل المسلمون بتخلفهم عن الدعوة إلى الإسلام وزر ما يصيب الإنسان من مهالك ومآسي، فالله عز وجل بعث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة رحمة بهم ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، فنحن المسلمون نملك ما يحتاج إليه الآخرون من علاج لمشاكلهم المتفاقمة، ولكن علينا أولا أن ننصف المرأة في مجتمعاتنا ونكف عن الاستبداد بها، وعلينا أن نعاملها وفقا لتعاليم الإسلام الحنيف.