عندما نشير إلى ذاك أنه محامي فإننا نعني بأنه الشخص الذي يتقن المرافعة أمام جمهرة من الناس ليقنعهم بفكرته وإيمانه بها . نعني به من يمتلك الشخصية القوية الفعالة القادرة على التأثير في نفوس الآخرين
نعني به أيضا من لديه الحجة الواسعة والبرهان القوي ... الخ ولكن رأيت مع قصر باعي في المحاماة قلة أو شح ما يسمى بالمرافعات ولا اقصد هنا المرافعات التي تتلى بالسطور فقط لا بل اقصد أي خطاب بين المحامي و القاضي الذي يتجلى بالصفة الرسمية أثناء فتح الجلسة أو يكون على قوس المحكمة ....
ألا ترون معي آن المحامي الآن يفتقر إلى هذا !
أين الفصاحة ؟ أين أصول المرافعة ؟ أين جهارة الصوت ؟ أين فن الخطاب و أصول الكلام وفن الإقناع ؟ هل وسيلة المحامي بالإقناع اليوم هي بتناول المعلوم من جيبه للسائل والمحروم ؟ هل فن الخطاب للمحامي هي بالصوت الخافت وضعف في الشخصية وركاكة بالأسلوب والعرض ؟؟
ألا تستحق هذه المهنة منا بذل خاص وجهد واضح ؟
ألا ينبغي تعلم كيفية الاندماج مع مهنة المحاماة ؟ ... فناً و إلقاء وأسلوبا وتعاملاً وذوقاً و عرضاً وأخلاقاً واستعداداً ..
قد يتساءل أحد ما لماذا يحتاج المحامي بالذات إلى كل هذه الوسائل والأدوات في مرافعاته سواء منها الكتابية أو الشفهية ؟
وقد يتساءل آخر أليس الحق وحده يكفي ليتسلح به المحامي دون أي أداة أخرى ؟
وهل يخفى الحق حتى يفتقر إلى إظهار ؟
وإذا كان المحامي لا يقصد ألا إحقاق الحق ففم الحاجة إذا إلى الافتتان في الكلام و سحر البلاغة وماذا يبغي من إثارة المشاعر واستمالة قلوب القضاة ؟
والواقع آن الحق في كثير من الأحيان لا يظهر لوحده كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة لان الباطل يخفي الحق بألاعيبه أو لان العهد قد قدم به فصار كالمعدن الكريم المستقر في الأعماق أو ربما السبب في غير هذا وذاك فلابد من لسان فصيح بليغ يكشف الحجب عن المستور
ثم انه برأيي قلما وجد الحق دون التباس بالباطل أو قلما وجد حق دون آن يشوهه باطل و ألا لما اضطر صاحباه اللجوء إلى إزالة الالتباس عنه .
ثم آن القضاة بشر ذو وجدان تأسره العاطفة ويغلبه جمال العرض والصيغة وتأسره قوة الفصاحة .. فرب حق خذله المطالب به والمدافع عنه ورب دليل قوي قعدت به اللغة الركيكة والإلقاء المتهافت ..
بعد هذه المقدمة المطولة زملائي ارتايت آن اقدم لكم زبدة من الفنون ليستفيد منها كل محام ناشء أو محام لم تتسنى له الظروف ليعرف هذه المبادئ كيف يترافع ؟ كيف يقف أمام القاضي بكل رفعة لانه نائب عن صاحب الحق ؟ كيف يكون واثقا من الحق الذي يطالب به ؟ وكيف وكيف ؟
اول ما يعترضنا في البحث في فن المرافعة واصول المحاماة السؤال التالي :
ايستطيع المحامي آن يصبح محاميا بكثرة المران والممارسة والمزاولة ام لا غنى له عن هبة طبيعية من الشخصية و الجراة العالية تنميها المرانة وتزكيها الممارسة ؟
والجواب على ذلك لا يتعدى الكلمات حيث
آن أحد المحامين القدماء قال : آن المحامي يولد محامياً
أي آن المحامي لابد آن يكون في فطرته استعداد لاداء هذه الرسالة الراقية تنبع من نفسه ويمدها من ذاته و جهده ونحن نعلم آن الناس متباينون في ميولهم واستعدادهم فما يحاور به محام من كلمات بحوار هادئ قد يثور في نفسي ولا استطيع الا الانفعال والثورة ضد ما ارافع به !
فالمحامي من اولئك الذين إذا ما ثارت عواطفهم وجدت لها متنفساً عن طريق الكلمة المعبرة أو المذكرة المؤثرة .
وإذا ما نظرنا إلى الاستعداد الفطري للمحامي فلا بد له آن يكون فصيحاً طلق اللسان قادراً على التعبير لا تغلبه الدهشة أو السكوت أو الذهول لان لحظات حاسمات في قاعة المحكمة من الممكن آن تودي بالموكل يمينا أو شمالاً
ومن نقص المحامي الناجح آن يكون بمنطقه عيب من العيوب يعوق سهولة المخارج وسلامة حروفها واستواءها كالفأفأة واللجلجة لان هذا يضيع المفهوم ويذهب بمقصود المحامي فيفوت الفرصة على الموكل من دفاع وشرح للوقائع وقد يضيق صدر القاضي أو وقته من هذه العيوب فيفقد المحامي شرطا هاما من شروط رسالته وهو فن الإقناع ...
سعة ثقافة المحامي :
حقاً آن المحامي يعرض على الناس عقله ويعرض عليهم ما عنده من تجربة وخبرة ودراسة ..
الحياة كلها مجاله وميدانه ..
فهو في السياسة محتاج إلى التاريخ والدين والاقتصاد والاجتماع ....
وفي الدين واصول المواريث محتاج إلى التعمق في مسائله ومذاهبه وعلومه الشتى
ومحتاج إلى التاريخ ودراسة احوال المجتمع ونظمه وعاداته
وهو يستمد من الشرائع كلهاو القوانين المقارنة
فهو يغترف من اللغة والادب و العلوم والفنون كافة ... وكلما استبحرت ثقافته واستفاضت قراءته غزرت معانيه وسمت افكاره وقويت ادلته وبرزت حجته .. وساعرض لهذا الموضوع بالتفصيل في وقت لاحق ..
فهدف المحامي آن يتغلغل في نفسية القاضي سواء اكان مخاطبا له بالشفاهة ام الكتابة فيصرف ذهن القاضي كما شاء ( كما يفعل الاغلب الآن من صرف للنفوس ) معتمدا على إثارة العواطف واشعال المشاعر
سرعة بديهة المحامي :
يرى المحامي "معاوية الطباع" في مقالته المنشورة تحت عنوان " مقتضيات استقلال المحاماة" العددان 1-2 لعام 2001 أنَّ المحاماة مهنه علمية تقوم على المعرفة المتجددة وتنمية المهارات والقدرة على الأداء وأن الواجب يدعو المحامي أن يكون متقناً وأن يحيط بمادة دعواه وأن يبحث بصبر ومثابرة، وأن يمتلك أدوات المرافعة من لغة وخطابة وقدرة على العرض وأن المحامين يتلقون الثقافة القانونية كعلم وفن حتى يؤدوا رسالتهم في الدفاع عن الحق بقوة حجتهم وبلاغه مدافعاتهم.
وهذا ما يعني أن لامتلاك أدوات المرافعة ضرورة دراسة فقه اللغة دراسة عميقة.
ويرى المحامي "يوسف عرابي" في مقاله المنشور تحت عنوان خير دفاع يصوغه المحامي في العددين 7-8/2004 ص 632 أنه يجدر بالمحامي أن يكون دفاعه قوياً بصياغته قوياً بأفكاره ومعانيه وأن يحسن التعبير عمّا في نفسه
ومن الملاحظ أنّ بعض المحامين ربحوا قضاياهم استناداً إلى سقطات لسان خصومهم، فمن كثر كلامه كثر خطؤه وأن القاضي يبني حكمه في كثير من الأحيان على كلمة أو عبارة وردت في دفع شفوي أو لائحة خطية لأحد الخصمين
وقد حثّ المحامي يوسف عرابي على أن تكون ألفاظ الخطاب القانوني مهذبه بعيدة عن التعالي وعن لهجة الأمر، ملؤها اللباقة والكياسة لا تثير الاستياء ولا تحض على الامتعاض ولا تثير كرامة الخصم.
ويرى المحامي "محمد بشير جزائرلي" في مقاله المنشور في مجلة / المحامون / العددان 3 – 4 لعام 2004 تحت عنوان القواعد القانونية الجديدة في قانون الإيجار الجديد رقم /6/ لعام 2001 أنَّ العمل في ساحة العدالة يملي على المحامي التحلي بصفتين أساسيتين هما :
1) التزود بالمعرفة العلمية القانونية، وأنه بمقدار ما نتزود بمقدار ما نساهم في تحقيق العدالة ، وأنَّ المحاماة والقضاء يؤثر كل منهما بالآخر ويتأثر به، فالمرافعات والمذكرات والدفوع رفيعة المستوى التي يقدمها المحامي تحفزّ القاضي لمجاراتها والاستفادة من دقتها وفصاحتها ورقي بيانها، والأحكام القضائية ذات المستوى الرفيع في التدقيق والتمحيص والتعليل والاستنتاج والاستنباط والرد على الدفوع إنما تؤثر في المحامي وتحفزه للارتفاع بمستوى أدائه.
2) والصفة الثانية هي التحلّي بآداب المحاماة ومبادئها وأعرافها وتقاليدها وأن أعلام المحاماة هم أعلام العلم والأدب، وهكذا فإن المحامي يصنع الحكم عندما يضع مذكرة دقيقة في دفوعها فصيحة في لغتها واضحة في بيانها.
بالتالي :
إن المرافعة الشفوية تتقدم على الخطاب القانوني المكتوب لجهة مدى تأثيرها المعنوي على المحكمة ، إن الأدب الذي يحتاجه المحامي في مرافعته ليس الأدب الذي يستدعي منه أن يكون شاعراً أو قصّاصاً ، فليس المطلوب من المحامي أن يصوغ مرافعته شعراً أن ينثرها نثراً فنياً في قالب القصة أو المقالة ، ولا أن يقود الحوار بين المتخاصمين وكأنه أمام مسرحية ، ليس المطلوب منه تحقيق الأغراض الفنية والإبداعية بصورة تجتذب المديح تنتزع الإعجاب . إن الأدب الذي يحتاجه المحامي هو الأدب الذي يمتزج مع القانون ليدخل في النسيج الحي للمرافعة فيعزز حجتها ويكشف عن الملكة القانونية . إن الأدب الذي يعمق الثقافة ويضفي على المرافعة تماسكاً وسحراً فإذا بها تتجه إلى عقل القاضي ووجدانه وعواطفه . هذا الأدب هو رؤية إنسانية ، وحدس عقلي يعطيه القدرة على النفاذ إلى الوقائع فيكشف زيفها ويساعده على إعادة صياغتها ، فإذا بها وكأنها بعث جديد ، إن الأدب وسيلة لعرض الوقائع ومناقشتها وعرض الدفوع وبيانها ، إنّه لغة رفيعة من لغات التعبير ومن هنا كانت اللغة القانونية التي تخلو من الأدب لغةً جافة
إن الكلمة العربية تتكون من " مبنى " و " معنى " والمبنى هو الصيغة التي جاء فيها والمعنى هو الدلالة التعبيرية، وتتوقف كثير من قضايا الحياة على فهم النصوص فهماً صحيحاً ودقيقاً
وفي ميدان الحقوق والقانون مجالٌ كبير للاختلاف على دلالة الألفاظ وكذلك في المعاهدات الدولية والاتفاقات التجارية...
هذا الأمر يضع على عاتق المحامي عبء دراسة الألفاظ ودلالاتها ومع أن هذه الأمور من مسائل علم اللغة إلا أن تأثيراتها تنعكس على كل مجال من مجالات الحياة ومنها القانون الذي يهتم الاجتهاد بتفسيره. هذا التفسير لا يتأتىّ إلاّ من خلال دراسة معاني الألفاظ.
إن مقدرة المحامي على الصياغة والتعبير أمر بالغ الأهمية لأنّ المحاماة أداتها الكلمة، ومن كانت كلمته واضحة معبرة استطاع أن يتجه بعباراته اتجاهاً حيوياً مقنعاً فيتجاوز حدود المعنى الحرفي للألفاظ ليصل إلى القدرة على الإقناع والقبول، وهكذا فالمحامي المبدع منشئ للكتابة
وأهم ما يحتاج إليه المحامي ليكون مبدعاً في مجال الكتابة أن يمتلك ثقافة شاملة وأسلوباً علمياً منهجياً وفهماً دقيقاً للموضوع. إن الثقافة الشاملة تمده بالأفكار العميقة، والأسلوب العلمي يتيح له التعبير عن معاناة الموكل من خلال التعابير القانونية والمصطلحات العلمية.
أما الفهم الدقيق للموضوع فإنه يساعد المحامي على شرح الوقائع بصورة موحية وتقديم الدليل تلو الدليل. المحامي الموفق ينقل مشاعر موكله بصورة معبرة تجعل القارئ يشاركه نظرته ورأيه وانفعاله، ولا يباشر الكتابة قبل أن تصبح الدعوى غامرة لنفسه وشعوره فاعلة في تفكيره وتعبيره.
ولكي تكون الكتابة القانونية سليمة ينبغي أن نبتعد عن المبالغة والإسفاف والتهكّم والزعم بالغيبيات والابتعاد عن الجدل العقيم والتكرار الممل . باعتبارها من معوّقات الدفوع المنتجة،
نعني به أيضا من لديه الحجة الواسعة والبرهان القوي ... الخ ولكن رأيت مع قصر باعي في المحاماة قلة أو شح ما يسمى بالمرافعات ولا اقصد هنا المرافعات التي تتلى بالسطور فقط لا بل اقصد أي خطاب بين المحامي و القاضي الذي يتجلى بالصفة الرسمية أثناء فتح الجلسة أو يكون على قوس المحكمة ....
ألا ترون معي آن المحامي الآن يفتقر إلى هذا !
أين الفصاحة ؟ أين أصول المرافعة ؟ أين جهارة الصوت ؟ أين فن الخطاب و أصول الكلام وفن الإقناع ؟ هل وسيلة المحامي بالإقناع اليوم هي بتناول المعلوم من جيبه للسائل والمحروم ؟ هل فن الخطاب للمحامي هي بالصوت الخافت وضعف في الشخصية وركاكة بالأسلوب والعرض ؟؟
ألا تستحق هذه المهنة منا بذل خاص وجهد واضح ؟
ألا ينبغي تعلم كيفية الاندماج مع مهنة المحاماة ؟ ... فناً و إلقاء وأسلوبا وتعاملاً وذوقاً و عرضاً وأخلاقاً واستعداداً ..
قد يتساءل أحد ما لماذا يحتاج المحامي بالذات إلى كل هذه الوسائل والأدوات في مرافعاته سواء منها الكتابية أو الشفهية ؟
وقد يتساءل آخر أليس الحق وحده يكفي ليتسلح به المحامي دون أي أداة أخرى ؟
وهل يخفى الحق حتى يفتقر إلى إظهار ؟
وإذا كان المحامي لا يقصد ألا إحقاق الحق ففم الحاجة إذا إلى الافتتان في الكلام و سحر البلاغة وماذا يبغي من إثارة المشاعر واستمالة قلوب القضاة ؟
والواقع آن الحق في كثير من الأحيان لا يظهر لوحده كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة لان الباطل يخفي الحق بألاعيبه أو لان العهد قد قدم به فصار كالمعدن الكريم المستقر في الأعماق أو ربما السبب في غير هذا وذاك فلابد من لسان فصيح بليغ يكشف الحجب عن المستور
ثم انه برأيي قلما وجد الحق دون التباس بالباطل أو قلما وجد حق دون آن يشوهه باطل و ألا لما اضطر صاحباه اللجوء إلى إزالة الالتباس عنه .
ثم آن القضاة بشر ذو وجدان تأسره العاطفة ويغلبه جمال العرض والصيغة وتأسره قوة الفصاحة .. فرب حق خذله المطالب به والمدافع عنه ورب دليل قوي قعدت به اللغة الركيكة والإلقاء المتهافت ..
بعد هذه المقدمة المطولة زملائي ارتايت آن اقدم لكم زبدة من الفنون ليستفيد منها كل محام ناشء أو محام لم تتسنى له الظروف ليعرف هذه المبادئ كيف يترافع ؟ كيف يقف أمام القاضي بكل رفعة لانه نائب عن صاحب الحق ؟ كيف يكون واثقا من الحق الذي يطالب به ؟ وكيف وكيف ؟
اول ما يعترضنا في البحث في فن المرافعة واصول المحاماة السؤال التالي :
ايستطيع المحامي آن يصبح محاميا بكثرة المران والممارسة والمزاولة ام لا غنى له عن هبة طبيعية من الشخصية و الجراة العالية تنميها المرانة وتزكيها الممارسة ؟
والجواب على ذلك لا يتعدى الكلمات حيث
آن أحد المحامين القدماء قال : آن المحامي يولد محامياً
أي آن المحامي لابد آن يكون في فطرته استعداد لاداء هذه الرسالة الراقية تنبع من نفسه ويمدها من ذاته و جهده ونحن نعلم آن الناس متباينون في ميولهم واستعدادهم فما يحاور به محام من كلمات بحوار هادئ قد يثور في نفسي ولا استطيع الا الانفعال والثورة ضد ما ارافع به !
فالمحامي من اولئك الذين إذا ما ثارت عواطفهم وجدت لها متنفساً عن طريق الكلمة المعبرة أو المذكرة المؤثرة .
وإذا ما نظرنا إلى الاستعداد الفطري للمحامي فلا بد له آن يكون فصيحاً طلق اللسان قادراً على التعبير لا تغلبه الدهشة أو السكوت أو الذهول لان لحظات حاسمات في قاعة المحكمة من الممكن آن تودي بالموكل يمينا أو شمالاً
ومن نقص المحامي الناجح آن يكون بمنطقه عيب من العيوب يعوق سهولة المخارج وسلامة حروفها واستواءها كالفأفأة واللجلجة لان هذا يضيع المفهوم ويذهب بمقصود المحامي فيفوت الفرصة على الموكل من دفاع وشرح للوقائع وقد يضيق صدر القاضي أو وقته من هذه العيوب فيفقد المحامي شرطا هاما من شروط رسالته وهو فن الإقناع ...
سعة ثقافة المحامي :
حقاً آن المحامي يعرض على الناس عقله ويعرض عليهم ما عنده من تجربة وخبرة ودراسة ..
الحياة كلها مجاله وميدانه ..
فهو في السياسة محتاج إلى التاريخ والدين والاقتصاد والاجتماع ....
وفي الدين واصول المواريث محتاج إلى التعمق في مسائله ومذاهبه وعلومه الشتى
ومحتاج إلى التاريخ ودراسة احوال المجتمع ونظمه وعاداته
وهو يستمد من الشرائع كلهاو القوانين المقارنة
فهو يغترف من اللغة والادب و العلوم والفنون كافة ... وكلما استبحرت ثقافته واستفاضت قراءته غزرت معانيه وسمت افكاره وقويت ادلته وبرزت حجته .. وساعرض لهذا الموضوع بالتفصيل في وقت لاحق ..
فهدف المحامي آن يتغلغل في نفسية القاضي سواء اكان مخاطبا له بالشفاهة ام الكتابة فيصرف ذهن القاضي كما شاء ( كما يفعل الاغلب الآن من صرف للنفوس ) معتمدا على إثارة العواطف واشعال المشاعر
سرعة بديهة المحامي :
يرى المحامي "معاوية الطباع" في مقالته المنشورة تحت عنوان " مقتضيات استقلال المحاماة" العددان 1-2 لعام 2001 أنَّ المحاماة مهنه علمية تقوم على المعرفة المتجددة وتنمية المهارات والقدرة على الأداء وأن الواجب يدعو المحامي أن يكون متقناً وأن يحيط بمادة دعواه وأن يبحث بصبر ومثابرة، وأن يمتلك أدوات المرافعة من لغة وخطابة وقدرة على العرض وأن المحامين يتلقون الثقافة القانونية كعلم وفن حتى يؤدوا رسالتهم في الدفاع عن الحق بقوة حجتهم وبلاغه مدافعاتهم.
وهذا ما يعني أن لامتلاك أدوات المرافعة ضرورة دراسة فقه اللغة دراسة عميقة.
ويرى المحامي "يوسف عرابي" في مقاله المنشور تحت عنوان خير دفاع يصوغه المحامي في العددين 7-8/2004 ص 632 أنه يجدر بالمحامي أن يكون دفاعه قوياً بصياغته قوياً بأفكاره ومعانيه وأن يحسن التعبير عمّا في نفسه
ومن الملاحظ أنّ بعض المحامين ربحوا قضاياهم استناداً إلى سقطات لسان خصومهم، فمن كثر كلامه كثر خطؤه وأن القاضي يبني حكمه في كثير من الأحيان على كلمة أو عبارة وردت في دفع شفوي أو لائحة خطية لأحد الخصمين
وقد حثّ المحامي يوسف عرابي على أن تكون ألفاظ الخطاب القانوني مهذبه بعيدة عن التعالي وعن لهجة الأمر، ملؤها اللباقة والكياسة لا تثير الاستياء ولا تحض على الامتعاض ولا تثير كرامة الخصم.
ويرى المحامي "محمد بشير جزائرلي" في مقاله المنشور في مجلة / المحامون / العددان 3 – 4 لعام 2004 تحت عنوان القواعد القانونية الجديدة في قانون الإيجار الجديد رقم /6/ لعام 2001 أنَّ العمل في ساحة العدالة يملي على المحامي التحلي بصفتين أساسيتين هما :
1) التزود بالمعرفة العلمية القانونية، وأنه بمقدار ما نتزود بمقدار ما نساهم في تحقيق العدالة ، وأنَّ المحاماة والقضاء يؤثر كل منهما بالآخر ويتأثر به، فالمرافعات والمذكرات والدفوع رفيعة المستوى التي يقدمها المحامي تحفزّ القاضي لمجاراتها والاستفادة من دقتها وفصاحتها ورقي بيانها، والأحكام القضائية ذات المستوى الرفيع في التدقيق والتمحيص والتعليل والاستنتاج والاستنباط والرد على الدفوع إنما تؤثر في المحامي وتحفزه للارتفاع بمستوى أدائه.
2) والصفة الثانية هي التحلّي بآداب المحاماة ومبادئها وأعرافها وتقاليدها وأن أعلام المحاماة هم أعلام العلم والأدب، وهكذا فإن المحامي يصنع الحكم عندما يضع مذكرة دقيقة في دفوعها فصيحة في لغتها واضحة في بيانها.
بالتالي :
إن المرافعة الشفوية تتقدم على الخطاب القانوني المكتوب لجهة مدى تأثيرها المعنوي على المحكمة ، إن الأدب الذي يحتاجه المحامي في مرافعته ليس الأدب الذي يستدعي منه أن يكون شاعراً أو قصّاصاً ، فليس المطلوب من المحامي أن يصوغ مرافعته شعراً أن ينثرها نثراً فنياً في قالب القصة أو المقالة ، ولا أن يقود الحوار بين المتخاصمين وكأنه أمام مسرحية ، ليس المطلوب منه تحقيق الأغراض الفنية والإبداعية بصورة تجتذب المديح تنتزع الإعجاب . إن الأدب الذي يحتاجه المحامي هو الأدب الذي يمتزج مع القانون ليدخل في النسيج الحي للمرافعة فيعزز حجتها ويكشف عن الملكة القانونية . إن الأدب الذي يعمق الثقافة ويضفي على المرافعة تماسكاً وسحراً فإذا بها تتجه إلى عقل القاضي ووجدانه وعواطفه . هذا الأدب هو رؤية إنسانية ، وحدس عقلي يعطيه القدرة على النفاذ إلى الوقائع فيكشف زيفها ويساعده على إعادة صياغتها ، فإذا بها وكأنها بعث جديد ، إن الأدب وسيلة لعرض الوقائع ومناقشتها وعرض الدفوع وبيانها ، إنّه لغة رفيعة من لغات التعبير ومن هنا كانت اللغة القانونية التي تخلو من الأدب لغةً جافة
إن الكلمة العربية تتكون من " مبنى " و " معنى " والمبنى هو الصيغة التي جاء فيها والمعنى هو الدلالة التعبيرية، وتتوقف كثير من قضايا الحياة على فهم النصوص فهماً صحيحاً ودقيقاً
وفي ميدان الحقوق والقانون مجالٌ كبير للاختلاف على دلالة الألفاظ وكذلك في المعاهدات الدولية والاتفاقات التجارية...
هذا الأمر يضع على عاتق المحامي عبء دراسة الألفاظ ودلالاتها ومع أن هذه الأمور من مسائل علم اللغة إلا أن تأثيراتها تنعكس على كل مجال من مجالات الحياة ومنها القانون الذي يهتم الاجتهاد بتفسيره. هذا التفسير لا يتأتىّ إلاّ من خلال دراسة معاني الألفاظ.
إن مقدرة المحامي على الصياغة والتعبير أمر بالغ الأهمية لأنّ المحاماة أداتها الكلمة، ومن كانت كلمته واضحة معبرة استطاع أن يتجه بعباراته اتجاهاً حيوياً مقنعاً فيتجاوز حدود المعنى الحرفي للألفاظ ليصل إلى القدرة على الإقناع والقبول، وهكذا فالمحامي المبدع منشئ للكتابة
وأهم ما يحتاج إليه المحامي ليكون مبدعاً في مجال الكتابة أن يمتلك ثقافة شاملة وأسلوباً علمياً منهجياً وفهماً دقيقاً للموضوع. إن الثقافة الشاملة تمده بالأفكار العميقة، والأسلوب العلمي يتيح له التعبير عن معاناة الموكل من خلال التعابير القانونية والمصطلحات العلمية.
أما الفهم الدقيق للموضوع فإنه يساعد المحامي على شرح الوقائع بصورة موحية وتقديم الدليل تلو الدليل. المحامي الموفق ينقل مشاعر موكله بصورة معبرة تجعل القارئ يشاركه نظرته ورأيه وانفعاله، ولا يباشر الكتابة قبل أن تصبح الدعوى غامرة لنفسه وشعوره فاعلة في تفكيره وتعبيره.
ولكي تكون الكتابة القانونية سليمة ينبغي أن نبتعد عن المبالغة والإسفاف والتهكّم والزعم بالغيبيات والابتعاد عن الجدل العقيم والتكرار الممل . باعتبارها من معوّقات الدفوع المنتجة،